التعريف بحقوق الانسان
يعتبر التعريف الانسان من الامور الصعبة ، وذلك نظراً لطبيعية هذه الحقوق المتغيرة والمتجددة والتي تواكب تطورات العصر في تغيرها ، فما كان لا يعتبر من حقوق الانسان قبل عدة سنوات أصبح الآن حقاً اساسياً بحاجة الى الحماية والرعاية من خلال كفالته في المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان وتضمينة للقوانين والتشريعات الوطنية .
قد ركز فقهاء القانون والمهتمين بحقوق الانسان فيما مضى على فكرة القانون الطبيعي في تعريفاتهم لحقوق الانسان ، فجاءت هذه التعريفات قاصرة قصور الفكرة نفسها ، عن الاحاطة بكافة الحقوق الاساسية للانسان من خلال تعريف جامع لها ، فمن المعروف أن مجالات حقوق الانسان وحرياته الطبيعية تتعدى حدود القانون الطبيعي والشخص نفسه ، فبالرغم من أن هذه الحقوق الطبيعية على درجة كبيرة من الاهمية ، الا أن هناك حقوقاً اخرى سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية ، لا تقل أهمية عن الحقوق الطبيعية .
وعرف الدكتور عبد الكريم علوان خضير حقوق الانسان ، بأنها تلك الحقوق الاصيلة في طبيعتنا ، والتي بدونها لا نستطيع العيش كبشر ، وعرفها الدكتور محمد المجذوب بأنها مجموعة الحقوق الطبيعية التي يمتكلها الانسان ، اللصيقة بطبيعته ، والتي تظل موجودة وان لم يتم الاعتراف بها بل اكثر من ذلك حتى لو انتهكت من قبل سلطة ما .
أما الفرنسي ايف ماديو فقد قال بأنها دراسة الحقوق الشخصية المعترف بها وطنياً ودولياً والتي في ظل حضارة معينة ، تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الانسانية وحمايتها من جهة ، والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى .
اما الاستاذ الدكتور جابر الراوي فيعرفها بأنها الحقوق التي تهدف الى ضمان وحماية معنى الانسانية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وقد حاول هذا التعريف أن يغطي مختلف أنواع الحقوق وفئاتها .
ونحن بدورنا حاولنا الاسهام بوضع تعريف لحقوق الانسان ، فهي كما نراها مجموعة الحقوق التي تضمن للانسان التمتع بحياة كريمة في مختلف جوانب النشاط الانساني .
خصائص حقوق الانسان :
تختص حقوق الانسان وحرياته الاساسية ببعض الخصائص التي تميزها عن غيرها من أنواع الحقوق والحريات وهذه الخصائص هي :
1- حقوق الانسان لها طابع العالمية فهي لكل بني البشر أينما كانوا ومهما كانوا رجالاً ونساء .
2- حقوق الانسان ليست منة من أحد ، وهي ثابتة لكل إنسان سواء تمتع بها أم حرم منها واعتدي عليها .
3- حقوق الانسان غير قابلة للتجزؤ .
4- حقوق الانسان لا تقبل التصرف بالتنازل عنها فهي ثابتة لكل إنسان حتى مع عدم الاعتراف بها من قبل دولته .
5- حقوق الانسان متطورة ومتجددة فهي تواكب تطورات العصر في تجذرها وتجددها لتشمل مختلف مناحي الحياة .
أركان حقوق الانسان :
إن فلسفة حقوق الانسان تقوم على ركنين أساسيين ، يجب توافرهما في كافة الحقوق والحريات والاساسية وكفالتهما لكافة فئات بني البشر من رجال ونساء وشيوخ وأطفال أصحاء أو معاقين يتمتعون بحريتهم أم ممنوعين منها وهذان الركنان هما :
1- الكرامة الانسانية : فتقرير الكرامة الانسانية للكافة والتعامل مع كافة بني البشر على هذا الاساس هو من القواعد الهامة لضمان عالمية وشمولية مسألة حقوق الانسان ، وقد أكدت المواثيق الدولية المختلفة لحقوق الانسان ، بدءاً من الاعلان العلمي ومروراً بالعهدين الدوليين على هذه الكرامة الانسانية ( فديباجة الاعلان العالمي اعتبرت ان الكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الاسرة البشرية ، أساس العدل والسلام وعاد الاعلان وشدد على الكرامة الانسانية في مادته الاولى " يولد جميع الناس متساوين في الكرامة والحقوق وقد هبوا عقلاً وضميراً ، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الاخاء ) .
وقد سبق الاسلام المجتمع الدولي في تأكيده على الكرامة الانسانية الذي كانت بداياته مع توقيع ميثاق هيئة الامم المتحدة عام 1945 ، فقد أكدها وشدد على وجوب احترامها ولا أدل على ذلك من مقولة الخليفة عمر بن الخطاب ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتم امهاتهم احرارا ) .
2- الركن الثاني : هو المساواة الكاملة بين كافة بني البشر فحقوق الانسان وحرياته الاسياسية ترفض التمييز مهما كان مبرره او مصدره فأبناء البشرية متساوون في الحقوق والواجبات ، على الرغم من اختلافهم في الاصول والاعراق والثقافات والالوان والاجناس ، فهذا الاختلاف الطبيعي بين البشر لا يجوز بأي حال من الاحوال ، ان يكون مصدر تمييز بينهم فيما يتعلق بتمتعهم بحقوقهم وحرياتهم الاساسية .
تعريف حقوق المرأة :
بعد أن استعرضنا تعريفات حقوق الانسان المختلفة فيتوجب علينا الاجابة على التساؤلات التالية . أين تقع حقوق المرأة في هذه التعاريف ؟ وهل يمكن وضع تعريف خاص لحقوق المرأة ؟
إن حقوق المرأة تندرج ضمن الاطار العام لمجموعة حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، فهى تشمل كافة أنواع الحقوق والحريات الاساسية ، وتقسيماتها وضمانها لكافة بني البشر، رجالاً أم نساء ، أطفالاً أم كباراً في السن ونتيجة لتطور مفهوم وفكرة كافة حقوق الانسان وحرياته الاساسية فقد أصبح هناك نوع من التخصصية في طرح هذه الحقوق ، سواء عبر المطالبة بصياغتها وإقرارها ضمن مواثيق دولية وتشريعات وطنية ، أو التأكيد على ضرورة تطبيق هذه الحقوق الواردة في التشريعات وضمان احترامها وتفعيلها ، فظهرت مصطلحات حقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق المعاقين وحقوق المحرومين من حريتهم ، وغيرها من هذه التي تركز على حقوق فئة أو شريحة معينة ، الا انه يجب التأكيد على المناداه بهذه الحقوق لاية فئة أو شريحة مما سبق ذكرها لا يخرجها عن إطارها العام وهو حقوق الانسان وحرياته الاساسية بل المقصود من المناداة بالتخصصية ، توفير المزيد من الحماية والضمانات لهذه الفئات عبر إقرار المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية التي تضمن بعض الحقوق لهذه الفئات .
أما بالنسبة لمصطلح حقوق المرأة فقد أخذ هذا المصطلح حيزاً أكبر من الاهتمام المتنامي يوماً بعد يوم ، وذلك على الصعيدين العالمي والوطني ، وأصبحت هناك منظمات وجمعيات واتحادات عالمية وإقليمية ووطنية ترفع لواء المطالبة بتقرير وتطبيق هذه الحقوق .
وتتخلص الغاية الاساسية في المطالبة بحقوق المرأة بضمان تطبيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في التمتع بالحقوق المختلفة سواء أكانت سياسية أم مدنية أم اقتصادية أم ثقافية أم اجتماعية ، إضافة الى ما سبق ذكره من تحقيق مزيد من المكاسب في تقرير هذه الحقوق للمرأة وضمان فعلية التطبيق لهذه الحقوق على ارض الواقع فلا يكفي مجرد تضمين القوانين والتشريعات الوطنية لهذه الحقوق للمرأة ، إن كان ذلك يعتبر بحد ذاته مكسباً هاماً الا أن العبرة في التطبيق العملي لهذه الحقوق وتمتع المرأة بها .
وعلى الرغم من أن صعوبة الخروج بتعريف لحقوق المرأة تساوي صعوبة تعريف حقوق الانسان على نحو شامل الا أننا حاولنا أن نعرف هذه الحقوق بالرغم من عدم وجود من سبق في تعريفها بشكل منفصل عن حقوق الانسان ، تمكنها من تحقيق المساواة الكاملة ، وعدم التمييز ضدها في التمتع بمختلف أنواع الحقوق والحريات والاساسية للانسان .
ماهية حقوق المرأة :
إن حقوق المرأة وهي حقوق متفرعة من حقوق الانسان ، أصبحت تأخذ منحى التخصصية كما سبقت الاشارة وهذه التخصصية لها شقان متممان لبعضهما البعض ، الشق الاول يتمثل في النصوص التي تؤكد على حقوق المرأة وحرياتها الاساسية في المواثيق العامة لحقوق الانسان ،كالإعلان العالمي والعهد الدولي للحقوق المدينة والسياسية ، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من المواثيق ، التي تضمنت الكثير من النصوص التي تقرر وتحمي حقوقاً معينة للمرأة ،
وتسبغ عليها خصوصية معينة للتأكيد على احترامها وضمان تقريرها في التشريعات الوطنية .
أما الشق الثاني فيتمثل في المواثيق الدولية الخاصة بحقوق المرأة وحرياتها الاساسية،والتي توجهت الى المرأة بشكل خاص دون الحديث عن عمومية حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، ومن هذه المواثيق إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة، واتفاقية بشأن الحقوق السياسة للمرأة ، هي حركة تصحيحية لتلافي كل قصور تشريعي ، وتصويب النصوص القائمة بحيث تضمن للمرأة التمتع بحقوقها كاملة وغير منقوصة ، على قدم المساواة الكاملة .
فمن خلال إقرار المزيد من المواثيق الخاصة بحقوق المرأة نضمن النص على كافة الحقوق والحريات الاساسية للمرأة وفي مختلف المجالات فمهما كنت مواثيق حقوق الانسان العامة شاملة لفئات الحقوق التي وضعت من أجلها ، فلن تضمن كفالة هذه الحقوق للمرأة ، بالرغم من النص على ضمان المساواة الكاملة بين الرجال والنساء في التمتع بهذه الحقوق ، كما أن هناك الكثير من الحقوق التي تفرعت عن هذه الحقوق الاصلية ، تطبيقاً لفكرة تجدد حقوق الانسان ومواكبتها لمتطلبات العصر ، وهذا بدوره يوجب التأكيد على هذه الحقوق ضمن إطار يضمن لها كفالتها للمرأة على وجه التحديد ، وإقرار المزيد من المواثيق الدولية الخاصة بحقوق المرأة يؤدي الى إلزامية تضمين هذه الحقوق في التشريعات الوطنية للدول التي تصادق على هذه المواثيق أو تضم اليها ، كما أن الدول تصبح ملزمة بتعديل تشريعاتها اذا تضمنت هذه التشريعات نصوصاً تتناقض مع ما جاء في هذه المواثيق من حقوق أو تحرم المرأة من التمتع بها أو تمييزها بين الرجل والمرأة . أنواع حقوق المرأة وتقسيماتها المختلفة :
لا يوجد تقسيم خاص لحقوق المرأة يخرج بها إطار التقسيم العادي والمألوف بالنسبة لحقوق الانسان ، فهي تتبع هذا التقسيم محتفظة بابتعادها عن الاطار العام الذي يخاطب الانسان بشكل عام لتصبح هذه الحقوق موجهة الى المرأة بشكل خاص ، ولكن بنفس التقسيم العام وهو تقسيم الحقوق الى حقوق مدنية ، وحقوق سياسية ، وحقوق اقتصادية ، وحقوق اجتماعية ، وحقوق ثقافية وقد تنوعت المواثيق الخاصة بحقوق المرأة ، فمنها ما شمل معظم أنواع هذه الحقوق ومنها ما اختص بنوع من هذه الحقوق للمرأة .
أما التشريعات الوطنية ، فإن ما يحكم تقسيم حقوق المرأة فيها ، هو نفس القانون وتخصصيته ، فمثلاً قانون العمل ، يبحث في جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة ، أما قوانين الاحوال الشخصية والعقوبات وأصول المحاكمات الجزائية فمدار بحثهم في الجانب المدني والسياسي لحقوق المرأة ، وكذلك قانون الانتخاب لمجلس النواب وقانون البلديات فيبحثان في الحقوق السياسية للمرأة ، و هكذا الا أن ذلك لا يمنع من أن تعالج بعض القوانين أكثر من تقسيم من تقسيمات هذه الحقوق فتكون ذات طبيعة مختلطة وتنص على عدة حقوق مختلفة المرأة . التطور التاريخي لمسيرة حقوق المرأة
حقوق المرأة في الحضارة اليونانية
لقد كانت السمة الاساسية لحقوق الانسان في الحضارة اليونانية ، الانتهاك وعدم الاعتراف بهذه الحقوق الا للمواطن اليوناني ، دون غيره من باقي أبناء الشعوب الاخرى ، الذين كانوا ينظر اليهم كعبيد وجدوا لاسعاد المواطن اليوناني ، فلم يكن ينظر اليهم كبشر ، بل كانوا يعاملون معاملة الاشياء فيباعون ويشترون ولا يحق لهم التمتع بأية حقوق .
أما المرأة اليونانية فكانت مسلوبة الحقوق وكانت موضوعة تحت السيطرة الكاملة للرجل سواء أكان الاب في بداية حياتها أو الزواج عندما تتزوج فقد كانت تتساوى في المعاملة مع الرقيق ولم يكن يعترف لها بأي من الحقوق المدنية ، وتولي أي عمل من الاعمال .
وبالمقابل كان المواطن اليوناني يتمتع ببعض الحقوق والحريات ، والتي منها المشاركة في الحياة العامة والسياسية في بلده ، كما كان يحق له التمتع بالملكية الجماعية ، إذ أن الملكية الفردية لم يكن معترفاً بها لدى اليونان .
حقوق المرأة في الحضارة الرومانية
لم تكن حقوق المرأة في الحضارة الرومانية بأ سعد حظا منها في الحضارة اليونانية، وكانت المرأة ملكاً لوالدهم الذي له ان يبيعهم أو يرهنهم . الرومان كانوا ينظرون الى المرأة على أنها رسول الشيطان في الارض ، لتتم دوره في إفساد القلوب وبث الشر بين الناس ، فكانت تعتبر عدواً لا يمتلك الحقوق المدنية ، حتى أن الرومان أجازوا للرجل دون محاكمة او الاستناد الى أي قانون أو تشريع ، قتل المرأة في بعض الحالات كما كانت قوانين الالواح الاثني عشر الرومانية تعد المرأة من الناحية القانونية فاقدة للاهلية ، ويسري عليها ما يسري على المجنون والصغير ، الا انه وفي بعض التطور في منح المرأة لبعض حقوقها ، فقد تغيرت بعض القوانين في أواخر عهد الدولة الرومانية ، فمنحت بعض الحقوق فيما يتعلق بالميراث والملكية ، الا أن السمة الغالبة لحقوق المرأة في الحضارة الرومانية كانت عدم المساواة والتفرقة واضطهاد المرأة .
أما اليهود فقد صوروا المرأة على أنها أساس التعاسة ، وهي التي تجلب المشكلات للرجل واعتبرتها بعض الطوائف اليهودية مخلوقاً برتبة خادم ، أما في الجاهلية فقد كان الاحتقار والمعاملة القاسية واللاإنسائية ، وهي السمة الغالبة في معاملة المرأة ، وكان ينظر لها على أنها جالبة للعار يجوز لوالدها دفنها حية تقاءً له ، وكان الرجل لا تلزمه الديه ولا القصاص إذا قتل المرأة .
حقوق المرأة في الشريعة الاسلامية :
بمجيء الاسلام تحرر بني البشر من العبودية التي كانت سائدة في المجتمعات القديمة، التي كانت تحكمها النظم الطبقية التي تتبع الجاه والثروة والنسب ، فأول ما نادت به تعاليم الشريعة الاسلامية وحدة الخلق (كلكم لادم ,وادم من تراب ) فأصل الخلق واحد ، وكل الناس يتساوون في الانسانية والكرامة ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ) فالكرامة مقررة لكل بني آدم ، بغض النظر عن الاصل والعرق أو اللغة أو الديانة أو الجنس ، رجالاً كانوا أم نساء ، فالشريعة الاسلامية نادت بالمساواة التامة بين البشر ، وقد أنزلت الشريعة الاسلامية المرأة المكانة التي تليق بها كأم ( الجنة تحت أقدام الامهات ) وأعطيت المرأة كامل حقوقها التي تمكنها من العيش محتفظة بكرامتها الانسانية ، كما خلصتها من الظلم الواقع عليها لتؤكد إنسانيتها وحقها الكامل في كافة الحقوق على قدم المساواة مع الرجل ، فهما متساويان في القيمة الانسانية مساواة مطلقة فأصل الخلق واحد ( كلكم لأدم وأدم من تراب ) كما أنهما متساويان في الكرامة ومجالات المساواة بين الرجل والمرأة في الاسلام تشمل مختلف منا حي الحياة ، فقد منحها الاسلام الحق في حرية الرأي والتعبير ، ومثال ذلك مجادلة خولة بنت الحكيم للرسول (ص) في أمر زوجها والتي على أثرها نزلت سورة المجادلة ، وكذلك اعتراض امرأة على عزم الخليفة عمر بن الخطاب بوضع حد أعلى للمهور ، فأقنعته بحجتها فصرف النظر عن هذا الامر .
وكان ينظر للمرأة على انه جالبة للعار وكان من الجائز لوالدها دفنها اتقاء له ، فحرمت الشريعة الاسلامية وأد البنات ( وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت ) .
كما أن الاسلام أعطى المرأة شخصية قانونية كاملة ومستقلة ، فلها حرية التملك باسمها ولها أن تباشر كافة التصرفات القانونية دون تقييد هذه التصرفات بإجازة أحد، كما أن لها مطلق الحرية في اختيار زوجها ولا يجوز إكراها على الزواج من أي شخص لا تريده .
إن مدار بحث حقوق المرأة في الاسلام واسع جداً ، فنكتفي بهذه الاشارات لما قرره الاسلام من حقوق للمرأة ، تحترم إنسانيتها وتحافظ على كرامتها .
الحماية الدولية لحقوق المرأة
لم تكن فكرة حقوق الانسان قد تبلورت بالمعنى المقصود حالياً ، ولم تأخذ معنى بالمعنى العالمية والشمولية الا في منتصف القرن الماضي ، وتحديداً في 25 نيسان 1945 تاريخ توقيع ميثاق هيئة الامـم المتحدة ، فقبل هذا الميثاق لم تكن حقوق الانسان تخضع لاي تنظيم دولي ، وكانت هذه الحقوق إن وجدت تأخذ طابعاً وطنياً بحتاً ، ولكن يتعدى أثرها المعنوي الى الخارج ، دون الضرورة بتطبيق هذه الحقوق في الدول الاخرى .
كما أن تقنين حقوق الانسان وتضمينها الى التشريعات الوطنية ، كان يتم ببطء ، فأول القوانين التي تضمنت حقوقاً للانسان صدرت في بريطانيا ، وهو ما سمي ب ( العهد الاعظم ) الذي وقعه الملك جون مرغماً بضغط من البارونات الانجليز سنة 1215 م، وتضمن بعض الحقوق للمواطن الانجليزي ومن بعدها توالت القوانين الاخرى التي صدرت في بريطانيا ، تعطي المزيد من الحقوق والحريات لمواطنها لتحد من سلطة الملوك المطلقة ، الا أن حجم التقدم لم يكن بالمستوى المطلوب أو حتى المأمول ، ومن بعد بريطانيا جاء إعلان الاستقلال الامريكي سنة 1776 م ، الثورة الفرنسية 1789 م ، والتي تضمن كل منها بعض الحقوق والحريات الاساسية للمواطن .
أما بالنسبة لحقوق المرأة فكانت قبل توقيع ميثاق هيئة الامم المتحدة ، غائبة عن هذه الحقوق أو الاعلانات فلم تأتي على حقوق المرأة بشكل خاص بأي ذكر ، وإنما كانت نصوص عامة تناولت بعض الحقوق ، إذن يمكننا القول بأن مسيرة حقوق المرأة ، ابتدأت مع مسيرة حقوق الانسان نفسها ، فلازمتها في البداية من خلال المواثيق الدولية العامة لحقوق الانسان ، التي تضمنت نصوصاً تحمي حقوق المرأة وتؤكد على مساواتها الكاملة مع الرجل ، ومن ثم أخذت بعض الاستقلال الذي تمثل بصدور مواثيق وإعلانات خاصة بحقوق المرأة .
فبداية عصر التنظيم الدولي لحقوق الانسان بشكل عام ، وحقوق المرأة بشكل خاص كانت مع توقيع ميثاق هيئة الامم المتحدة ، فقد أكدت ديباجة الميثاق على الايمان بالحقوق الاساسية للانسان ، وبكرامة الفرد وقدره ، وبما للرجال والنساء والامم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية ، كما ان الفقرة الثالثة من المادة الاولى ، دعت الى تعزيز احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية للناس بلا تمييز او تفريق بين الرجال والنساء ، وهو ما أعادت تأكيده الفقرة (ج) من المادة 55 من الميثاق ، ومن ثم جاء الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي نادت به الجمعية العامة لهيئة الامم المتحدة في 10 كانون الاول 1948 ليؤكد على حقوق المرأة بالنص في ديباجته ، على ان للرجال والنساء حقوقاً متساوية ، كما أن المادة (2) من الاعلان لم تفرق بين الرجال والنساء في التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في الاعلان ، فكافة الحقوق والحريات التي نص عليها الاعلان ، يمكن القول بأنها حقوق للمرأة كما هي للرجل فلم تستثنى المرأة من التمتع بأي حق في الاعلان ، الا من الحق الوارد في الفقرة الثالثة من المادة 26 ، والتي نصت على أن ( للآباء الحق الاول في اختيار نوع تربية أولادهم ) وهذا الموقف مستغرب من الاعلان العالمي ، الذي شدد على المساواة الكاملة بين الرجال والنساء في التمتع بالحقوق والحريات الواردة فيه ، فكان من الاولى وتحقيقاً للمساواة وضماناً لحق المرأة الام في المشاركة في اختيار نوع التربية لأولادها ، أن يكون النص ( للاسرة الحق الاول في اختيار نوع تربية أولادها ) .
وبقيت الحماية الدولية العامة لحقوق المرأة ، حاضرة وفي معظم المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان وحرياته الاساسية ، التي أعطت المرأة الحق في التمتع بهذه الحقوق والحريات ، ووجوب كفالتها لها على قدم المساواة مع الرجل ، الى ان ظهرت مواثيق دولية خاصة بحقوق المرأة بشكل خاص ، وكانت أولى هذه المواثيق الاتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة ، والتي اعتمدت وعرضت للتوقيع والانضمام بتاريخ 20 كانون الاول 1952 وبدأ نفاذها في 7 تموز 1954 ، ومن بعدها جاءت الاتفاقية بشأن جنسية المرأة المتزوجة ، التي اعتمدت بتاريخ 29 كانون الثاني 1957 وبدأ نفاذها في 11 آب 1958 ، وإعلان القضاء على التمييز ضد المرأة ، الذي أصدرته الجمعية العامة بتاريخ 7 تشرين ثاني 1967 م ، وإعلان بشأن حماية النساء والاطفال في حالات الطوارئ والنازعات المسلحة ، الذي أصدرته الجمعية العامة بتاريخ 14 كانون الاول 1974 ، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدت بتاريخ 18 كانون الاول 1979 ، وبدأ نفاذها في ايلول 1981 ، والبروتوكول الملحق بها لعام 1999 الذي بدأ نفاذه عام 2000.
وإضافة الى هذه المواثيق الدولية الخاصة بحقوق المرأة ، فقد تبنت الجمعية العامة عدة مؤتمرات حول حقوق المرأة ، كان من أهمها مؤتمر إعلان مكسيكو بمناسبة الاحتفال بالسنة الدولية للمرأة عام 1975 ، والمؤتمر العالمي لعقد الامم المتحدة للمرأة الذي عقد في كوبنهاجن 1980 ، ومؤتمر نيروبي لعام 1985 ، والمؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين 1995.
يعتبر التعريف الانسان من الامور الصعبة ، وذلك نظراً لطبيعية هذه الحقوق المتغيرة والمتجددة والتي تواكب تطورات العصر في تغيرها ، فما كان لا يعتبر من حقوق الانسان قبل عدة سنوات أصبح الآن حقاً اساسياً بحاجة الى الحماية والرعاية من خلال كفالته في المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان وتضمينة للقوانين والتشريعات الوطنية .
قد ركز فقهاء القانون والمهتمين بحقوق الانسان فيما مضى على فكرة القانون الطبيعي في تعريفاتهم لحقوق الانسان ، فجاءت هذه التعريفات قاصرة قصور الفكرة نفسها ، عن الاحاطة بكافة الحقوق الاساسية للانسان من خلال تعريف جامع لها ، فمن المعروف أن مجالات حقوق الانسان وحرياته الطبيعية تتعدى حدود القانون الطبيعي والشخص نفسه ، فبالرغم من أن هذه الحقوق الطبيعية على درجة كبيرة من الاهمية ، الا أن هناك حقوقاً اخرى سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية ، لا تقل أهمية عن الحقوق الطبيعية .
وعرف الدكتور عبد الكريم علوان خضير حقوق الانسان ، بأنها تلك الحقوق الاصيلة في طبيعتنا ، والتي بدونها لا نستطيع العيش كبشر ، وعرفها الدكتور محمد المجذوب بأنها مجموعة الحقوق الطبيعية التي يمتكلها الانسان ، اللصيقة بطبيعته ، والتي تظل موجودة وان لم يتم الاعتراف بها بل اكثر من ذلك حتى لو انتهكت من قبل سلطة ما .
أما الفرنسي ايف ماديو فقد قال بأنها دراسة الحقوق الشخصية المعترف بها وطنياً ودولياً والتي في ظل حضارة معينة ، تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الانسانية وحمايتها من جهة ، والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى .
اما الاستاذ الدكتور جابر الراوي فيعرفها بأنها الحقوق التي تهدف الى ضمان وحماية معنى الانسانية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وقد حاول هذا التعريف أن يغطي مختلف أنواع الحقوق وفئاتها .
ونحن بدورنا حاولنا الاسهام بوضع تعريف لحقوق الانسان ، فهي كما نراها مجموعة الحقوق التي تضمن للانسان التمتع بحياة كريمة في مختلف جوانب النشاط الانساني .
خصائص حقوق الانسان :
تختص حقوق الانسان وحرياته الاساسية ببعض الخصائص التي تميزها عن غيرها من أنواع الحقوق والحريات وهذه الخصائص هي :
1- حقوق الانسان لها طابع العالمية فهي لكل بني البشر أينما كانوا ومهما كانوا رجالاً ونساء .
2- حقوق الانسان ليست منة من أحد ، وهي ثابتة لكل إنسان سواء تمتع بها أم حرم منها واعتدي عليها .
3- حقوق الانسان غير قابلة للتجزؤ .
4- حقوق الانسان لا تقبل التصرف بالتنازل عنها فهي ثابتة لكل إنسان حتى مع عدم الاعتراف بها من قبل دولته .
5- حقوق الانسان متطورة ومتجددة فهي تواكب تطورات العصر في تجذرها وتجددها لتشمل مختلف مناحي الحياة .
أركان حقوق الانسان :
إن فلسفة حقوق الانسان تقوم على ركنين أساسيين ، يجب توافرهما في كافة الحقوق والحريات والاساسية وكفالتهما لكافة فئات بني البشر من رجال ونساء وشيوخ وأطفال أصحاء أو معاقين يتمتعون بحريتهم أم ممنوعين منها وهذان الركنان هما :
1- الكرامة الانسانية : فتقرير الكرامة الانسانية للكافة والتعامل مع كافة بني البشر على هذا الاساس هو من القواعد الهامة لضمان عالمية وشمولية مسألة حقوق الانسان ، وقد أكدت المواثيق الدولية المختلفة لحقوق الانسان ، بدءاً من الاعلان العلمي ومروراً بالعهدين الدوليين على هذه الكرامة الانسانية ( فديباجة الاعلان العالمي اعتبرت ان الكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الاسرة البشرية ، أساس العدل والسلام وعاد الاعلان وشدد على الكرامة الانسانية في مادته الاولى " يولد جميع الناس متساوين في الكرامة والحقوق وقد هبوا عقلاً وضميراً ، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الاخاء ) .
وقد سبق الاسلام المجتمع الدولي في تأكيده على الكرامة الانسانية الذي كانت بداياته مع توقيع ميثاق هيئة الامم المتحدة عام 1945 ، فقد أكدها وشدد على وجوب احترامها ولا أدل على ذلك من مقولة الخليفة عمر بن الخطاب ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتم امهاتهم احرارا ) .
2- الركن الثاني : هو المساواة الكاملة بين كافة بني البشر فحقوق الانسان وحرياته الاسياسية ترفض التمييز مهما كان مبرره او مصدره فأبناء البشرية متساوون في الحقوق والواجبات ، على الرغم من اختلافهم في الاصول والاعراق والثقافات والالوان والاجناس ، فهذا الاختلاف الطبيعي بين البشر لا يجوز بأي حال من الاحوال ، ان يكون مصدر تمييز بينهم فيما يتعلق بتمتعهم بحقوقهم وحرياتهم الاساسية .
تعريف حقوق المرأة :
بعد أن استعرضنا تعريفات حقوق الانسان المختلفة فيتوجب علينا الاجابة على التساؤلات التالية . أين تقع حقوق المرأة في هذه التعاريف ؟ وهل يمكن وضع تعريف خاص لحقوق المرأة ؟
إن حقوق المرأة تندرج ضمن الاطار العام لمجموعة حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، فهى تشمل كافة أنواع الحقوق والحريات الاساسية ، وتقسيماتها وضمانها لكافة بني البشر، رجالاً أم نساء ، أطفالاً أم كباراً في السن ونتيجة لتطور مفهوم وفكرة كافة حقوق الانسان وحرياته الاساسية فقد أصبح هناك نوع من التخصصية في طرح هذه الحقوق ، سواء عبر المطالبة بصياغتها وإقرارها ضمن مواثيق دولية وتشريعات وطنية ، أو التأكيد على ضرورة تطبيق هذه الحقوق الواردة في التشريعات وضمان احترامها وتفعيلها ، فظهرت مصطلحات حقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق المعاقين وحقوق المحرومين من حريتهم ، وغيرها من هذه التي تركز على حقوق فئة أو شريحة معينة ، الا انه يجب التأكيد على المناداه بهذه الحقوق لاية فئة أو شريحة مما سبق ذكرها لا يخرجها عن إطارها العام وهو حقوق الانسان وحرياته الاساسية بل المقصود من المناداة بالتخصصية ، توفير المزيد من الحماية والضمانات لهذه الفئات عبر إقرار المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية التي تضمن بعض الحقوق لهذه الفئات .
أما بالنسبة لمصطلح حقوق المرأة فقد أخذ هذا المصطلح حيزاً أكبر من الاهتمام المتنامي يوماً بعد يوم ، وذلك على الصعيدين العالمي والوطني ، وأصبحت هناك منظمات وجمعيات واتحادات عالمية وإقليمية ووطنية ترفع لواء المطالبة بتقرير وتطبيق هذه الحقوق .
وتتخلص الغاية الاساسية في المطالبة بحقوق المرأة بضمان تطبيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في التمتع بالحقوق المختلفة سواء أكانت سياسية أم مدنية أم اقتصادية أم ثقافية أم اجتماعية ، إضافة الى ما سبق ذكره من تحقيق مزيد من المكاسب في تقرير هذه الحقوق للمرأة وضمان فعلية التطبيق لهذه الحقوق على ارض الواقع فلا يكفي مجرد تضمين القوانين والتشريعات الوطنية لهذه الحقوق للمرأة ، إن كان ذلك يعتبر بحد ذاته مكسباً هاماً الا أن العبرة في التطبيق العملي لهذه الحقوق وتمتع المرأة بها .
وعلى الرغم من أن صعوبة الخروج بتعريف لحقوق المرأة تساوي صعوبة تعريف حقوق الانسان على نحو شامل الا أننا حاولنا أن نعرف هذه الحقوق بالرغم من عدم وجود من سبق في تعريفها بشكل منفصل عن حقوق الانسان ، تمكنها من تحقيق المساواة الكاملة ، وعدم التمييز ضدها في التمتع بمختلف أنواع الحقوق والحريات والاساسية للانسان .
ماهية حقوق المرأة :
إن حقوق المرأة وهي حقوق متفرعة من حقوق الانسان ، أصبحت تأخذ منحى التخصصية كما سبقت الاشارة وهذه التخصصية لها شقان متممان لبعضهما البعض ، الشق الاول يتمثل في النصوص التي تؤكد على حقوق المرأة وحرياتها الاساسية في المواثيق العامة لحقوق الانسان ،كالإعلان العالمي والعهد الدولي للحقوق المدينة والسياسية ، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من المواثيق ، التي تضمنت الكثير من النصوص التي تقرر وتحمي حقوقاً معينة للمرأة ،
وتسبغ عليها خصوصية معينة للتأكيد على احترامها وضمان تقريرها في التشريعات الوطنية .
أما الشق الثاني فيتمثل في المواثيق الدولية الخاصة بحقوق المرأة وحرياتها الاساسية،والتي توجهت الى المرأة بشكل خاص دون الحديث عن عمومية حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، ومن هذه المواثيق إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة، واتفاقية بشأن الحقوق السياسة للمرأة ، هي حركة تصحيحية لتلافي كل قصور تشريعي ، وتصويب النصوص القائمة بحيث تضمن للمرأة التمتع بحقوقها كاملة وغير منقوصة ، على قدم المساواة الكاملة .
فمن خلال إقرار المزيد من المواثيق الخاصة بحقوق المرأة نضمن النص على كافة الحقوق والحريات الاساسية للمرأة وفي مختلف المجالات فمهما كنت مواثيق حقوق الانسان العامة شاملة لفئات الحقوق التي وضعت من أجلها ، فلن تضمن كفالة هذه الحقوق للمرأة ، بالرغم من النص على ضمان المساواة الكاملة بين الرجال والنساء في التمتع بهذه الحقوق ، كما أن هناك الكثير من الحقوق التي تفرعت عن هذه الحقوق الاصلية ، تطبيقاً لفكرة تجدد حقوق الانسان ومواكبتها لمتطلبات العصر ، وهذا بدوره يوجب التأكيد على هذه الحقوق ضمن إطار يضمن لها كفالتها للمرأة على وجه التحديد ، وإقرار المزيد من المواثيق الدولية الخاصة بحقوق المرأة يؤدي الى إلزامية تضمين هذه الحقوق في التشريعات الوطنية للدول التي تصادق على هذه المواثيق أو تضم اليها ، كما أن الدول تصبح ملزمة بتعديل تشريعاتها اذا تضمنت هذه التشريعات نصوصاً تتناقض مع ما جاء في هذه المواثيق من حقوق أو تحرم المرأة من التمتع بها أو تمييزها بين الرجل والمرأة . أنواع حقوق المرأة وتقسيماتها المختلفة :
لا يوجد تقسيم خاص لحقوق المرأة يخرج بها إطار التقسيم العادي والمألوف بالنسبة لحقوق الانسان ، فهي تتبع هذا التقسيم محتفظة بابتعادها عن الاطار العام الذي يخاطب الانسان بشكل عام لتصبح هذه الحقوق موجهة الى المرأة بشكل خاص ، ولكن بنفس التقسيم العام وهو تقسيم الحقوق الى حقوق مدنية ، وحقوق سياسية ، وحقوق اقتصادية ، وحقوق اجتماعية ، وحقوق ثقافية وقد تنوعت المواثيق الخاصة بحقوق المرأة ، فمنها ما شمل معظم أنواع هذه الحقوق ومنها ما اختص بنوع من هذه الحقوق للمرأة .
أما التشريعات الوطنية ، فإن ما يحكم تقسيم حقوق المرأة فيها ، هو نفس القانون وتخصصيته ، فمثلاً قانون العمل ، يبحث في جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة ، أما قوانين الاحوال الشخصية والعقوبات وأصول المحاكمات الجزائية فمدار بحثهم في الجانب المدني والسياسي لحقوق المرأة ، وكذلك قانون الانتخاب لمجلس النواب وقانون البلديات فيبحثان في الحقوق السياسية للمرأة ، و هكذا الا أن ذلك لا يمنع من أن تعالج بعض القوانين أكثر من تقسيم من تقسيمات هذه الحقوق فتكون ذات طبيعة مختلطة وتنص على عدة حقوق مختلفة المرأة . التطور التاريخي لمسيرة حقوق المرأة
حقوق المرأة في الحضارة اليونانية
لقد كانت السمة الاساسية لحقوق الانسان في الحضارة اليونانية ، الانتهاك وعدم الاعتراف بهذه الحقوق الا للمواطن اليوناني ، دون غيره من باقي أبناء الشعوب الاخرى ، الذين كانوا ينظر اليهم كعبيد وجدوا لاسعاد المواطن اليوناني ، فلم يكن ينظر اليهم كبشر ، بل كانوا يعاملون معاملة الاشياء فيباعون ويشترون ولا يحق لهم التمتع بأية حقوق .
أما المرأة اليونانية فكانت مسلوبة الحقوق وكانت موضوعة تحت السيطرة الكاملة للرجل سواء أكان الاب في بداية حياتها أو الزواج عندما تتزوج فقد كانت تتساوى في المعاملة مع الرقيق ولم يكن يعترف لها بأي من الحقوق المدنية ، وتولي أي عمل من الاعمال .
وبالمقابل كان المواطن اليوناني يتمتع ببعض الحقوق والحريات ، والتي منها المشاركة في الحياة العامة والسياسية في بلده ، كما كان يحق له التمتع بالملكية الجماعية ، إذ أن الملكية الفردية لم يكن معترفاً بها لدى اليونان .
حقوق المرأة في الحضارة الرومانية
لم تكن حقوق المرأة في الحضارة الرومانية بأ سعد حظا منها في الحضارة اليونانية، وكانت المرأة ملكاً لوالدهم الذي له ان يبيعهم أو يرهنهم . الرومان كانوا ينظرون الى المرأة على أنها رسول الشيطان في الارض ، لتتم دوره في إفساد القلوب وبث الشر بين الناس ، فكانت تعتبر عدواً لا يمتلك الحقوق المدنية ، حتى أن الرومان أجازوا للرجل دون محاكمة او الاستناد الى أي قانون أو تشريع ، قتل المرأة في بعض الحالات كما كانت قوانين الالواح الاثني عشر الرومانية تعد المرأة من الناحية القانونية فاقدة للاهلية ، ويسري عليها ما يسري على المجنون والصغير ، الا انه وفي بعض التطور في منح المرأة لبعض حقوقها ، فقد تغيرت بعض القوانين في أواخر عهد الدولة الرومانية ، فمنحت بعض الحقوق فيما يتعلق بالميراث والملكية ، الا أن السمة الغالبة لحقوق المرأة في الحضارة الرومانية كانت عدم المساواة والتفرقة واضطهاد المرأة .
أما اليهود فقد صوروا المرأة على أنها أساس التعاسة ، وهي التي تجلب المشكلات للرجل واعتبرتها بعض الطوائف اليهودية مخلوقاً برتبة خادم ، أما في الجاهلية فقد كان الاحتقار والمعاملة القاسية واللاإنسائية ، وهي السمة الغالبة في معاملة المرأة ، وكان ينظر لها على أنها جالبة للعار يجوز لوالدها دفنها حية تقاءً له ، وكان الرجل لا تلزمه الديه ولا القصاص إذا قتل المرأة .
حقوق المرأة في الشريعة الاسلامية :
بمجيء الاسلام تحرر بني البشر من العبودية التي كانت سائدة في المجتمعات القديمة، التي كانت تحكمها النظم الطبقية التي تتبع الجاه والثروة والنسب ، فأول ما نادت به تعاليم الشريعة الاسلامية وحدة الخلق (كلكم لادم ,وادم من تراب ) فأصل الخلق واحد ، وكل الناس يتساوون في الانسانية والكرامة ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ) فالكرامة مقررة لكل بني آدم ، بغض النظر عن الاصل والعرق أو اللغة أو الديانة أو الجنس ، رجالاً كانوا أم نساء ، فالشريعة الاسلامية نادت بالمساواة التامة بين البشر ، وقد أنزلت الشريعة الاسلامية المرأة المكانة التي تليق بها كأم ( الجنة تحت أقدام الامهات ) وأعطيت المرأة كامل حقوقها التي تمكنها من العيش محتفظة بكرامتها الانسانية ، كما خلصتها من الظلم الواقع عليها لتؤكد إنسانيتها وحقها الكامل في كافة الحقوق على قدم المساواة مع الرجل ، فهما متساويان في القيمة الانسانية مساواة مطلقة فأصل الخلق واحد ( كلكم لأدم وأدم من تراب ) كما أنهما متساويان في الكرامة ومجالات المساواة بين الرجل والمرأة في الاسلام تشمل مختلف منا حي الحياة ، فقد منحها الاسلام الحق في حرية الرأي والتعبير ، ومثال ذلك مجادلة خولة بنت الحكيم للرسول (ص) في أمر زوجها والتي على أثرها نزلت سورة المجادلة ، وكذلك اعتراض امرأة على عزم الخليفة عمر بن الخطاب بوضع حد أعلى للمهور ، فأقنعته بحجتها فصرف النظر عن هذا الامر .
وكان ينظر للمرأة على انه جالبة للعار وكان من الجائز لوالدها دفنها اتقاء له ، فحرمت الشريعة الاسلامية وأد البنات ( وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت ) .
كما أن الاسلام أعطى المرأة شخصية قانونية كاملة ومستقلة ، فلها حرية التملك باسمها ولها أن تباشر كافة التصرفات القانونية دون تقييد هذه التصرفات بإجازة أحد، كما أن لها مطلق الحرية في اختيار زوجها ولا يجوز إكراها على الزواج من أي شخص لا تريده .
إن مدار بحث حقوق المرأة في الاسلام واسع جداً ، فنكتفي بهذه الاشارات لما قرره الاسلام من حقوق للمرأة ، تحترم إنسانيتها وتحافظ على كرامتها .
الحماية الدولية لحقوق المرأة
لم تكن فكرة حقوق الانسان قد تبلورت بالمعنى المقصود حالياً ، ولم تأخذ معنى بالمعنى العالمية والشمولية الا في منتصف القرن الماضي ، وتحديداً في 25 نيسان 1945 تاريخ توقيع ميثاق هيئة الامـم المتحدة ، فقبل هذا الميثاق لم تكن حقوق الانسان تخضع لاي تنظيم دولي ، وكانت هذه الحقوق إن وجدت تأخذ طابعاً وطنياً بحتاً ، ولكن يتعدى أثرها المعنوي الى الخارج ، دون الضرورة بتطبيق هذه الحقوق في الدول الاخرى .
كما أن تقنين حقوق الانسان وتضمينها الى التشريعات الوطنية ، كان يتم ببطء ، فأول القوانين التي تضمنت حقوقاً للانسان صدرت في بريطانيا ، وهو ما سمي ب ( العهد الاعظم ) الذي وقعه الملك جون مرغماً بضغط من البارونات الانجليز سنة 1215 م، وتضمن بعض الحقوق للمواطن الانجليزي ومن بعدها توالت القوانين الاخرى التي صدرت في بريطانيا ، تعطي المزيد من الحقوق والحريات لمواطنها لتحد من سلطة الملوك المطلقة ، الا أن حجم التقدم لم يكن بالمستوى المطلوب أو حتى المأمول ، ومن بعد بريطانيا جاء إعلان الاستقلال الامريكي سنة 1776 م ، الثورة الفرنسية 1789 م ، والتي تضمن كل منها بعض الحقوق والحريات الاساسية للمواطن .
أما بالنسبة لحقوق المرأة فكانت قبل توقيع ميثاق هيئة الامم المتحدة ، غائبة عن هذه الحقوق أو الاعلانات فلم تأتي على حقوق المرأة بشكل خاص بأي ذكر ، وإنما كانت نصوص عامة تناولت بعض الحقوق ، إذن يمكننا القول بأن مسيرة حقوق المرأة ، ابتدأت مع مسيرة حقوق الانسان نفسها ، فلازمتها في البداية من خلال المواثيق الدولية العامة لحقوق الانسان ، التي تضمنت نصوصاً تحمي حقوق المرأة وتؤكد على مساواتها الكاملة مع الرجل ، ومن ثم أخذت بعض الاستقلال الذي تمثل بصدور مواثيق وإعلانات خاصة بحقوق المرأة .
فبداية عصر التنظيم الدولي لحقوق الانسان بشكل عام ، وحقوق المرأة بشكل خاص كانت مع توقيع ميثاق هيئة الامم المتحدة ، فقد أكدت ديباجة الميثاق على الايمان بالحقوق الاساسية للانسان ، وبكرامة الفرد وقدره ، وبما للرجال والنساء والامم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية ، كما ان الفقرة الثالثة من المادة الاولى ، دعت الى تعزيز احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية للناس بلا تمييز او تفريق بين الرجال والنساء ، وهو ما أعادت تأكيده الفقرة (ج) من المادة 55 من الميثاق ، ومن ثم جاء الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي نادت به الجمعية العامة لهيئة الامم المتحدة في 10 كانون الاول 1948 ليؤكد على حقوق المرأة بالنص في ديباجته ، على ان للرجال والنساء حقوقاً متساوية ، كما أن المادة (2) من الاعلان لم تفرق بين الرجال والنساء في التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في الاعلان ، فكافة الحقوق والحريات التي نص عليها الاعلان ، يمكن القول بأنها حقوق للمرأة كما هي للرجل فلم تستثنى المرأة من التمتع بأي حق في الاعلان ، الا من الحق الوارد في الفقرة الثالثة من المادة 26 ، والتي نصت على أن ( للآباء الحق الاول في اختيار نوع تربية أولادهم ) وهذا الموقف مستغرب من الاعلان العالمي ، الذي شدد على المساواة الكاملة بين الرجال والنساء في التمتع بالحقوق والحريات الواردة فيه ، فكان من الاولى وتحقيقاً للمساواة وضماناً لحق المرأة الام في المشاركة في اختيار نوع التربية لأولادها ، أن يكون النص ( للاسرة الحق الاول في اختيار نوع تربية أولادها ) .
وبقيت الحماية الدولية العامة لحقوق المرأة ، حاضرة وفي معظم المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان وحرياته الاساسية ، التي أعطت المرأة الحق في التمتع بهذه الحقوق والحريات ، ووجوب كفالتها لها على قدم المساواة مع الرجل ، الى ان ظهرت مواثيق دولية خاصة بحقوق المرأة بشكل خاص ، وكانت أولى هذه المواثيق الاتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة ، والتي اعتمدت وعرضت للتوقيع والانضمام بتاريخ 20 كانون الاول 1952 وبدأ نفاذها في 7 تموز 1954 ، ومن بعدها جاءت الاتفاقية بشأن جنسية المرأة المتزوجة ، التي اعتمدت بتاريخ 29 كانون الثاني 1957 وبدأ نفاذها في 11 آب 1958 ، وإعلان القضاء على التمييز ضد المرأة ، الذي أصدرته الجمعية العامة بتاريخ 7 تشرين ثاني 1967 م ، وإعلان بشأن حماية النساء والاطفال في حالات الطوارئ والنازعات المسلحة ، الذي أصدرته الجمعية العامة بتاريخ 14 كانون الاول 1974 ، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدت بتاريخ 18 كانون الاول 1979 ، وبدأ نفاذها في ايلول 1981 ، والبروتوكول الملحق بها لعام 1999 الذي بدأ نفاذه عام 2000.
وإضافة الى هذه المواثيق الدولية الخاصة بحقوق المرأة ، فقد تبنت الجمعية العامة عدة مؤتمرات حول حقوق المرأة ، كان من أهمها مؤتمر إعلان مكسيكو بمناسبة الاحتفال بالسنة الدولية للمرأة عام 1975 ، والمؤتمر العالمي لعقد الامم المتحدة للمرأة الذي عقد في كوبنهاجن 1980 ، ومؤتمر نيروبي لعام 1985 ، والمؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين 1995.